يوسف الخال

1408-1336هـ 1987-1917م

سيرة الشاعر:

يوسف عبدالله الخال.
ولد في بلدة عمار الحصن (سورية)، وتوفي في مدينة كسروان (لبنان).
عاش في سورية ولبنان ونيويورك وليبيا وجنيف.
تعلم مبادئ القراءة في مسقط رأسه عمار الحصن، وأكمل دراسته الابتدائية في المدرسة الإنجيلية بطرابلس (لبنان)، وانتقل إلى مدينة حلب (السورية)
فأكمل دراسته الثانوية بمدرستها الإنجيلية.
التحق بالجامعة الأمريكية ببيروت، وتخرج فيها حاصلاً على بكالوريوس علوم الفلسفة (1943).
أنشأ مجلة «الفنون» (1940)، وتولى رئاسة تحرير مجلة «صوت المرأة» (1942)، إلى جانب عمله بالتدريس لمدة عامين في المدرسة الثانوية العامة التابعة للجامعة الأمريكية، كما عمل في الأمم المتحدة (1948)، فتنقل بين ليبيا وجنيف ونيويورك (1952 - 1955).
تولى رئاسة تحرير جريدة «الهدى» في نيويورك، ثم عاد إلى بيروت فعمل أستاذًا بالجامعة الأمريكية لمدة عامين إلى جانب عمله بالصحافة اللبنانية، وتولى رئاسة تحرير دار النهار للنشر (1967)، وتابع من خلالها الإشراف على مجلة «شعر» حتى احتجبت (1970).
أسّس مجلة «شعر»، ودار النشر التابعة لها (1957) بمعاونة أنسي الحاج، وإبراهيم شقرا، وجبرا إبراهيم جبرا وغيرهم، وأصدر مجلة «أدب» (1962)، كما أنشأ صالة لعرض الفنون التشكيلية العربية الحديثة «جاليري وان».
يعد واحدًا من دعاة تجديد القصيدة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، وكان نموذجه الأمثل في الشعر الغربي عند إزرا باوند، وإليوت، وفروست.. وقد مارس الكتابة مجسدًا هذا المنحى، كما أشرع صفحات مجلة «شعر» لقصائد من يتبعون هذا النهج.
انتسب إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي، ومارس من خلاله أنشطته السياسية في بداية حياته العملية، ثم انصرف عنه.

الإنتاج الشعري:
- له ديوان بعنوان «الحرية» - دار الكتاب - بيروت 1944، 1948، وله ديوان بعنوان «البئر المهجورة» - دار مجلة شعر - بيروت 1958، وله ديوان بعنوان «قصائد في الأربعين» - دار مجلة شعر - بيروت 1960، والأعمال الشعرية الكاملة (1938 - 1968) - الخال للطباعة - بيروت 1981، وله قصائد نشرتها صحف ومجلات عصره، خاصة مجلات شعر، وأدب، وغيرها، وله مجموعة شعرية باللهجة العامية اللبنانية بعنوان «الولادة الثانية» - (مخطوطة).

الأعمال الأخرى:
- له مؤلفات عدة، منها: «هيروديا» (مسرحية) - دار الهدى - نيويورك 1954، و«الحداثة في الشعر» - دار الطليعة - بيروت 1978، و«دفاتر الأيام» - دار رياض الريس - لندن 1987، وله ترجمات عدة، منها: «الأرض الخراب»: ت.س. إليوت - دار مجلة شعر - بيروت 1958، و«ديوان الشعر الأمريكي» - دار مجلة شعر - بيروت 1958، و«خواطر عن أمريكا» لجان مارتيان - 1958، و«إبراهام لنكولن» لكارل ساندبرغ - 1959، و«قصائد مختارة» لروبرت فروست - دار مجلة شعر - بيروت 1962، و«النبي» لجبران - دار النهار للنشر - بيروت 1968، «والعهد الجديد من الكتاب المقدس» - 1985، «ورسائل إلى دون كيشوت» لباسكال برتيوس - منشورات الأنس - الجزائر 1998، وله مقالات عدة في
مفهوم الشعر نشرتها صحف ومجلات عصره خاصة مجلة شعر، وله مؤلفات مخطوطة، منها: «يوميات كلب»، و«على هامش كليلة ودمنة»، و«غريب في يوم أحد».
شاعر متمرد، حاول التجديد في الأطر الفنية والشكلية للقصيدة العربية، ويعد أحد مؤسسي قصيدة النثر، عالج في شعره قضايا الإنسان وهمومه، وعبّر عن سؤال المصير والهوية وشغلته قضايا الموت والوعي الشعري بالحياة.
وصفه أنسي الحاج بقوله: «شعره لم يرغب البريق ولا الإغراء، آثر عري حيطان الصومعة على الزخرف، وبرود شمس العقل على حرارات العواطف السهلة ورطوبات الأدب»، ووصفه بعض نقاده بأن «شعره شعر التزهد اللفظي والبساطة في العمق والفلسفة، والطبيعة الخالية من الحيلة، فلا مواربة ولا ملعنة، بل مباشرة ولكن محيرة، لأنها مغتنية بخليط الوعي والباطن والظاهر والكامن والمراد والمحلوم».
حصل على وسام الاستحقاق اللبناني من رتبة فارس وتسلمه من رئيس الجمهورية أمين الجميل - سبتمبر 1987، ومنح درع الثقافة في لبنان بمناسبة إقرار بيروت عاصمة ثقافية 1999، وخصص الكاتب والناشر رياض الريس جائزة باسمه بعنوان «جائزة يوسف الخال».

مصادر الدراسة:
1 - جوزيف صايغ - مقدمة لترجمة كتاب رسائل إلى دون كيشوت.
2 - كامل فرحان صالح: يوسف الخال حياته ودعوته اللغوية - رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربية وآدابها - الجامعة اللبنانية - 1998.
3 - محمد كامل الخطيب: نظرية الشعر - مرحلة مجلة شعر، القسم الأول المقالات - منشورات وزارة الثقافة - دمشق 1996.
4 - معرفة شخصية من الباحث مارون الخوري ولقاءات عدة بالمترجم له خلال الأعوام من 1965 - 1968، ولقاءات أجراها الباحث مع زوجة المترجم له - لبنان 2002.
5 - الدوريات: أعداد مجلة شعر، ومجلة أدب، والمجلات التي عمل بها المترجم له.
مراجع للاستزادة:
- مواقع عدة على الشبكة الدولية للمعلومات «الإنترنت»، منها موقع جهة الشعر: http://www.jehat.com

الشاعر

كفَّنَ اليقْظَة بالرؤيا وتاهْ ________________________________________________________________
شاعرٌ كلُّ المنى بعضُ مُناهْ _______________________________________________________________
تنزف البرهةُ من أيامه ________________________________________________________________
ألمًا يعصرُ للناس جَناه _______________________________________________________________
أيُّ فجر لم يشيِّع مرتجًى ________________________________________________________________
صاغ في الليل مفاتيحَ دُناه؟ _______________________________________________________________
إيهِ كم مدَّ إلى النُّعمى يدًا ________________________________________________________________
وترجّاها، فمالَتْ عن رجاه _______________________________________________________________
هو في دنياه كالوهم، فلا ________________________________________________________________
فكرةٌ ضمَّته، أو قلبٌ وعاه _______________________________________________________________
جرَّحَ القلبَ هواه، فانثنى ________________________________________________________________
شاكيًا يفضحُ للغير هواه _______________________________________________________________
ظُنَّ مسكينًا عَرَتْه جِنَّةٌ ________________________________________________________________
فمضى يزحم في التيه خُطاه _______________________________________________________________
ليتهم يدرون كم من جنةٍ ________________________________________________________________
أشعلَتْ للكونِ مصباحَ هُداه! _______________________________________________________________
أيها الشاعر غَنِّ نغمًا ________________________________________________________________
أسكرَ النفسَ ولم يبرحْ صداه _______________________________________________________________
غنّهِ إلياذةً من هومَرٍ ________________________________________________________________
أمرَعَتْ، والدهرُ لم يُدركْ صِباه _______________________________________________________________
غنِّه ما شئتَ، كم قيثارةٍ ________________________________________________________________
أبدعَتْ في عالم الفكر إله _______________________________________________________________
سائلِ الأُولومبَ من لبنانَ من ________________________________________________________________
ملعبِ الإغريقِ عن أمسٍ بناه _______________________________________________________________
تتحدَّى العبقرياتُ به ________________________________________________________________
صوْلةَ الدهرِ وتُملي ما رواه _______________________________________________________________
صورًا للفتح لم يحلمْ بها ________________________________________________________________
قائدٌ ركَّز في النصر لواه _______________________________________________________________
هوذا الشاعر رَمْزُ الحقِّ في ________________________________________________________________
عالَمٍ ضلَّ عن الحقِّ وتاه _______________________________________________________________
يصلبُ النفس ليفدي أنفسًا ________________________________________________________________
مرَّغَتْ في شهوةِ الحسِّ الجِباه _______________________________________________________________

الجذور

في الصيفِ تسألُ الجذورُ عن مصيرِها،
والنهرُ لا يُجيب
غصَّتْ به العيونُ في الجبالِ أمْ
تلقَّفتْه في الهجير تربةٌ؟ فمن
يجيبُ هذه الجذورَ عن مصيرِها؟
يحضنُها في زمن الخريف؟ يدفعُ عنها
قسوةَ الشتاء يا تُرى؟
الورقُ الذي يهرُّ جسدٌ،
والسرُّ في الجذور
وفي الجذور أمسُنا،
وفي الجذور غدُنا
هنا الثمارُ بلحٌ وبرتقالٌ، وهناك
عنبٌ يعصرُه السُّقاةُ خمرةً،
وحيث يكثرُ الجرادُ لا ثمارَ بل حصًى
وعبثًا نصيح نحن كالرياحِ
حرَّةً تجيء من مكانها وحرةً تروحْ
فنحن يا رفيقيَ الغريبَ نعمرُ الثرى
لنا الترابُ بيتُ رحمٍ وكفنْ
وفي التراب تهبطُ الجذورُ صُعُدًا
فالأرضُ مولدٌ حصادْ
ها «نينَوى»!
فاجأني الدليلُ صائحًا ها «نينوى»!
ومرةً عرَفتُ في النقوشِ
وجهَ صاحبي، لمستُه براحتي
قائلاً «هنا الصدى يطولْ
والخاطر الذي يمرُّ قطرةً
يشربُها الترابُ
يحضنُها العُبابُ، لا تزولُ
ما كان لا يصيرُ،
لا تنعقُ البومةُ في ديارِه
ولا يحوم حوله الغرابُ
كلُّ زمانٍ أبدٌ
وكلُّ رِحلةٍ إيابُ»
وحيثما التفتُّ صورٌ
حفرَها الزمانُ، لا تزولُ
لا شيءَ ههنا يزولُ
تقول جدتي «حفيدُها كجدِّهِ
يسير تاركًا يديه في الفضاءِ
ويؤثرُ المبيت باكرًا
والصبح، حينما يُفيقُ، غابةٌ
من الحراب حولَ جفْنِه»
وفي دمشقَ أبصرَتْ عينايَ «سنحريبَ» جاثمًا
والموتُ في خيامِهِ،
وفي الطريق ألفُ شبحٍ وشبح،
وها هي الوجوه خزفٌ، قماقمٌ
والخاتمُ اللَّبيْك صَدِئٌ،
والبُسُطُ الريحُ استحالت طائرًا،
عجلةً تدور والزمانُ واحدٌ،
وشهرزادُ ما تزال تسرد الحياةَ ههنا حكايةً
وشهرزاد جسدٌ،
كالورق الذي يهرُّ، جسدٌ
والسرُّ في الجذورِ
وعبثًا نصيح نحن كالرياح
حرَّةً تجيء من مكانها وحرةً تروحُ
لنا الترابُ بيت رحمٍ وكفنْ
والموتُ وحدَه البقاءُ
رجلايَ في الفضاءِ والفضاءُ هاربٌ،
وليس لي جناحُ
الشمس لا تُدفِئني،
ولا تُغطِّي جسدي الرياحُ
ليت الذي علَّقني هناك شدَّ حول عُنقي،
بل ليتَه سمَّرني
بل ليتَه، حين كفرتُ بأخي، طردَني
هنا هنا على التراب جبهتي
وفي التراب قدمي،
وقدمي هياكلٌ ومدنٌ
ودمعةٌ هي الفرات تارةً
وهي البحار تارةً،
وقدمي دمٌ وقبلةٌ
أوّاه، يا صديقيَ الغريبَ، نحن جسدُ
كالورق الذي يهرُّ، جسدُ
والسرُّ في الجذورِ
وها هي الجذور تسأل الترابَ عن مصيرها
والنهرُ لا يجيبُ
في الصيف لا يجيبُ
من يا ترى يجيب هذه الجذورَ عن مصيرها
يحضنُها،
يردُّ عنها قسوةَ الشتاء، والربيعُ مقبلُ،
لا بدَّ مقبلُ
من القبورِ والحقولِ مقبلُ
فالموتُ والحياة واحدٌ
والأرضُ وحدَها البقاء

الحوار الأزلي

متى تُمحَى خطايانا؟
متى تورقُ آلامُ المساكينِ؟
متى تلمسُنا أصابعُ الشكّ؟
أأمواتٌ على الدرب ولا ندري؟
تُوارينا عن الأبصار أكفانُ
من الرمل، غبارٌ ذرَّه الحافرُ
في ملاعب الشمسِ
تقول لي
أنا لما أزل طفلاً، تأملْني
فللطُّوفان آثارٌ على قميصيَ الرطْبِ
وفي عينيَّ أسرارُ
عذارَى لم تُفق بعدُ، تباريحُ
سكبنَ الدمعةَ الأولى، جراحاتُ
ملأنَ جسميَ الغضَّ وما زلْنَ
أعطشانُ؟ خذِ الصخرة واضربها
أفي العتمةِ؟ دحرجْها عن القبر
وإمّا عضَّك الجوعُ فهاكَ المنُّ والسلوى
وإما صِرْتَ عُرْيانا
فخذْ من ورق التين رداءً
يسترُ الإثمَ، يُواريه عن الناس
وفي التجربة الكبرى
تصبَّرْ صَبْرَ أيوبٍ ولا تهلعْ
عبيدٌ نحن للماضي، عبيدٌ نحنُ
للآتي، عبيدٌ نرضعُ الذلَّ
من المهدِ الى اللحدِ، خطايانا؟
يدُ الأيام لم تصنع خطايانا
خطايانا صنعناها بأيدينا
لعلَّ الشمس لم تُشرق لتُحْيينا
هنا مقبرةُ النورِ، هنا الرملُ
هنا يستنسرُ البُغاثُ، تفنَى القمحةُ
الأولى، هنا ينعدمُ الشكُّ،
يموتُ القول في الألسنةِ الحقِّ
صليبُ الله لم يمحُ خطايانا
فهل تُمحَى إذا ما سابقَ
الريحُ جناحانا، إذا ما انفَضَّ
ختمُ السرِّ أو دانت لنا الدنيا؟
غدي ضربُ مواعيدٍ مع الوهمِ،
وهذا شأنُ أجدادي من البدءِ
غرابُ البين لم يرحم ضحايانا

من قصيدة: حوار مع الشيطان

الأمسُ هنا علِّيقةُ نارْ
والأرضُ حرامْ
فحذاركِ تقتربي
الليلُ البارحةَ انهارَ على وجهي
أصبحتُ دخانْ
يا ليلُ الصبُّ متى غُده
لا، أصبحتُ ستارًا يرتدُّ
على أمسي، أيزولُ غدًا
كجبالٍ يسكنُها القيظُ -
تصيحُ حنانك يا ربِّي
طال غيابُ الأمطار
ذاب الثلجُ
فحذارِ، حذاركِ ذاب الثلجُ
والذئبُ تروِّعُه الشمسُ
أوّاه، أتجبلُ كفِّي الطينَ، متى؟
ومتى أنفخُ فيه الروحَ، متى أصنُعهُ
شيئًا كالشمسِ إذا تغربُ
كالفجرِ إذا يطلعُ
كالظُّهر إذا يمحو ظلِّي
أوّاه متى أحيا
حتى ترتاحَ الأرضُ
ويذيعَ العطرُ
وتموتَ الدودةُ في الحقلِ
الأمسُ يزولُ
لا شيءَ مع الأمس يزولُ
فحذارك تقتربي!