عباس الديب

1408-1337هـ 1987-1918م

سيرة الشاعر:

عباس حسن الديب.
ولد في القاهرة، وبها توفي.
عاش حياته في مصر، وحملته وظيفته - إلى مدينة ملكال (جنوبي السودان).
درس الحقوق في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) - وحمل درجة الليسانس.
عمل موظفًا بوزارة الأشغال (الريّ) - كما مارس عددًا من الأعمال الحرة ذات الطابع الإداري والفني.
اتجه إلى التصوف، وجعل من منزله بحيّ «المنيل» ندوة أو حضرة أسبوعية تقرأ فيها آيات القرآن الكريم، والأوراد، والأشعار.

الإنتاج الشعري:
- له الدواوين الآتية: «بين أمي والقرآن» - دار الفكر العربي - القاهرة 1983، و«إلى الملأ الأعلى» - مطبعة نهضة مصر - القاهرة 1986، «ومنازل الرضوان» - مطبعة نهضة مصر - القاهرة 1987، و«معارج الأرواح» - مطبعة نهضة مصر - القاهرة 1990، و«نور الصباح» - دار مصر للطباعة - القاهرة 1990، و«ما بين زمزم والصفا» - دار الإنسان للنشر - القاهرة 1990، و«وصية إلى ولدي» - مطبعة العمرانية - الجيزة 2003.
يصف المترجم له نشاطه الشعري - موضوعيًا - بأنه من عشرين ألف بيت من المدائح النبوية، وقصائد التوحيد والأناشيد الصوفية، والقصائد الوطنية والاجتماعية، كما يصف مطولاته بأنها «ملاحم»، تظهر انعكاسات الشعر الصوفي (التراثي) في بعض قصائده، كما يصور بعض أحداث زمانه في أسلوب حكائي، يفضي عبرها ببعض خلجاته، يلتزم موسيقى البحر ويميل إلى تنويع القوافي، وكان يصف نفسه بأنه من المداحين.

مصادر الدراسة:
- لقاء الباحث محمد علي عبدالعال بأسرة المترجم له. القاهرة 2003.

وصية إلى ولدي

أبُنيَّ ما أقسى الحياةَ وقد فقدتُ مطيتي
ولَّى الشباب وأنهكت جسدي العليل بليَّتي
ذنبي وضعفي يسرعان بيَ الخطى لمنيتي
فاسمعْ رعاك الله يا ولدي الحبيب وصيتي
من أين أبدأ يا بُنيَّ وكيف أفتتح الكلامْ؟
والذكرياتُ هواجع الأجفان في صدري نيام
والقلب قلبي يا بنيَّ يهيم في البيت الحرام
مذ كنت ضيفَ الله أنشد بين زمزمَ والمقام
لكنما لا بدَّ من فتْحِ الصحائف يا بُنَيْ
لترى عطاء الله يا ولدي ومنَّتَه علي
فلكم أُحِسُّ نسائمَ الرحمات تحقيقًا لدي
ويكاد يقتلني الحياء فأستحي من كل شي
أوَّاه يا ولدي فليت العمر يقبل من جديدِ
لتركتُ كل دنيَّةٍ ولعشتُ كالأمل الوليد
أحيا بساح المصطفى طُهْرَ الصباح بيوم عيد
لكنني - أسفاه - لم أغنم سوى ندم العبيد
ضيّعتُ أيامي بعيش الذل في سقْط المتاعْ
وتركت نفسي -غفلةً- ترعى وفي أرض السباع
وظننتها شبعت وإذ أمّارتي بين الجياع
صدَّقت شيطاني فأغواني وأورثني الضياع
لكنني أرجو وبابُ الله مفتوحٌ بُنَيْ
ما ثَمَّ إلا أن يتوب العبدُ كي يحظى بِفَي
ويرى البشير بعفوه كرمًا وذا أحلى حِلِي
أيردُّ عفو الله أوَّابًا أتى يدعوه وَي
فاللهُ يا ولدي عفوٌّ قادرٌ بَرٌّ غفُورْ
وأنا بنيَّ عُبَيدُه مهما تجاذبني الشرور
فالنفس تخطئ ويلَها والقلبُ أوّاه شكور
فلعل يقبل ذا بذا فأفوز في يوم النشور
فالمصطفى بذر النجاة بأرض أصحاب القلوبْ
وسقى الشفاعة رحمةً لمن استقال من الذنوب
وأفاض في ذِكْر الحساب وعدْل ربك كي نتوب
فلمن أمات النفسَ عن دنياه تنكشف الكروب
فالموتُ مزرعة الحياة فليس في الدنيا عَدَمْ
والذنب مزرعة البلاء حصاده فينا ندم
والدمع مزرعة الرجاء وكلنا فيها خدم
والتوب مزرعة الوصول وهؤلاء ذوو القَدم

من قصيدة: من حكايات جدتي

لي جَدَّةٌ عهْدُ الصبا كانت تردّد لي حكايه
فيها الهدى - فلجدتي سمةُ التُّقَى سمة الولايه
ولكم حكيمٍ ساق حكمته على نسق الروايه
كانت تقول - بُنيَّ أنصِتْ فالعجوز لها درايه
ضمَّتْ علومَ الأقدمين من البدايةِ للنهايه
فإذا خشيتَ الظلم يومًا أو متاهات الغوايه
فارجعْ إلى قصص العجوز تجدْ بها سبلَ الهدايه
فلقد حوَتْ ثمرَ اليقين إذا أحاطتك العنايه
وكذا جزاء البغي إن ظلموك حقدًا أو سعايه
فاسألْ معي مولاك يا ولدي لتكلأك الرعايه
كانت تقول - بُنيَّ حدَّثَني الثقاةُ من الرواه
عن بلدةٍ عاشت رعيّتها السلامَ مع الرعاه
فالناس من صفو القلوب هُدوا لطاعات الإله
والرزق موفورٌ ومكفولٌ وميسورٌ جَناه
الغيثُ يُقبل كلما اشتاق الجديب إلى نَداه
والأرض تُثمر حيث لا أحقادَ تختصم الهداه
والعدل بينهم استتبَّ - فلا قضاءَ ولا قضاه
الذئب لم يطمع وبين يديه تمرح ألفُ شاه
عاش الجميع مع الجميع وللجميع على هداه
أمْنٌ وإيمانٌ أظلاَّ بالصفاء رُبا الحياه
وتناقلَ الجيران أنباءَ الحياة الهانيه
كيف الحياةُ تسير بينهمُ مياهًا جاريه
لا شرَّ لا أشرارَ كيف؟ وكل نفسٍ عاصيه
أَملائكٌ بالأرض يحيون الحياة الباقيه
والأرضُ أرضٌ والخلائق هم فكيف العافيه
لا بدَّ من سرٍّ عجيبٍ أو أمورٍ خافيه
أتراهمُ صنعوا لهم بالسحر دنيا ثانيه؟
أم ذاك إكسير الصفاء بكل بيتٍ آنيه؟
لا بل طلاسمُ أُورثوها من عصورٍ خاليه
وتحركّت نفسُ اللئام الحاسدين علانيه
وتجمَّع الأشرار والحقد احتوى قلبَ الجُناه
وتآمروا وزعيمهم شيخ الأبالسةِ الدهاه
قالوا له ولبئس ما قال الزبانية القُساه
إنا أكاسرةٌ جبابرةٌ قياصرةٌ عتاه
وجوارنا متأخّرون يعكِّرون لنا المياه
ولهم بلابل شدوها فظٌّ ووحشيٌّ صداه
والريح تحمل عطرهم مسكًا فيؤذينا شذاه
لا بدَّ أن يَتحضَّروا أو يُقتَلوا وبلا أناه
يكفيهمُ عاشوا قرونًا متخمين إلى اللهاه
وتصايحوا بالحرب - ويلَ الوادعين من الطغاه
وعَلَتْ طبول الحرب تعلنها ضروسًا عاتيه
والمؤمنون الآمنون لهم قلوبٌ صافيه
يتشاورون لعل بالحسنى تُردُّ الغاشيه
الحربُ؟! فيمَ الحرب؟! ثم الحرب أصلاً ما هيه؟
والأرض قد وسعت جميعَ الخلق أُمّاً حانيه
لِمَ لا يعيشون الحياةَ كما نعيش سواسيه؟!
لِمَ لا يكون الخير مقسومًا بنفسٍ راضيه؟!
لِمَ لا يرون الحقَّ يكفل للتَّقيِّ أمانيَه
أفذاك أسلوب الحضارة؟! غِلظةٌ وأنانيه؟!
يا للجهالة والضلالة والوحوش الضاريه
ماذا جنينا من شرورٍ أو غرورٍ أو مكائدْ؟
ماذا جنينا والقلوب غدت معابدَ أو معاهد؟
ماذا جنينا والبيوت غدت كنائسَ أو مساجد؟
وغدًا إذا غلب البغاة غَدَت حظائرَ أو مزاود
ورجالنا يُستعبَدون ويصبحون لهم سواعد
ونساؤنا وبناتنا تغدو موائد أو وسائد
حتى سنابلُنا البريئة سوف تَحْرقُها المفاسد
وشيوخنا الحكماءُ؟ - يا للهول من هذي المشاهد
لا لن نُسلِّم أرضنا أبدًا - وربُّ العرش شاهد
لا فالمقابر يومها أولى بأصحاب العقائد