رعد مطشر

1428-1383هـ 2007-1963م

سيرة الشاعر:

رعد بن مطشر بن مسلم.
ولد في بغداد، وتوفي في مدينة كركوك (شمالي شرق العراق).
التحق بالمدرسة الابتدائية في بغداد (1969 - 1975) وأكمل دراسته الثانوية فيها (1975 - 1981)، ثم التحق بقسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب جامعة بغداد وتخرج فيه عام 1985.
عمل مدرسًا على ملاك التعليم الثانوي في المديرية العامة للتربية بمحافظة بغداد منذ عام 1986، وفي عام 1988 نقل إلى المديرية العامة لتربية كركوك، كما عمل في مجال الصحافة، فقد رأس تحرير جريدة «العراق غدًا» التي كانت تصدر في كركوك منذ عام 2003، ورأس بها مؤسسة «الرعد للإعلام والصحافة» منذ عام 2003.
كان عضوًا في جمعية المؤلفين والكتاب العراقيين، كما كان عضوًا في نقابة الفنانين، ونال عضوية نقابة المصورين إلى جانب عضويته في جمعية المترجمين.

الإنتاج الشعري:
- له عدد من الدواوين: «البحث عن فانوس الحقيقة» - مطبعة الجامعة - بغداد 1987، و«الغرقى يجمعون المرجان» - دار الشؤون الثقافية - بغداد 1999، و«أتقاطر طرق معصمي» - دار الشؤون الثقافية - بغداد 2002.

الأعمال الأخرى:
- له في مجال القصة: «حلم سمكة» - دار الشؤون الثقافية - بغداد 1999، و«كرخيني لآلئ النور» - دار الشؤون الثقافية - بغداد 2002.
يجيء ما أتيح من شعره تلبية لدعاوى التجديد التي احتفى بها شعرنا العربي في تجلياته الحداثية، فقد كتبه فيما يعرف بقصيدة النثر معتمدًا لغة مفعمة بالرموز والإشارات التي تجيء هذه المرة محملة بهموم وطنه العراق في صراعه مع المحتل، فمن خلال ما يطرحه من دوال تسيطر مفردات الغزو والحرب والشهداء، وتشاهد
الأصابع المبتورة، ويرى الناس ما بين النداءات الموحشة التي لا يسمعها إلا الموتى، والأسى الذي يعض رخاوة الدخان على حد قول الشاعر، وليس ثمّة سوى سيّد غضّ يتأبّط عبدًا ويشق الغابة مستعجلاً، في إشارة إلى هيمنة المحتل على مقدرات البلاد. جاء ذلك من خلال طرح شعري تميز بجدته وطرافة صوره الشعرية التي استفادت - فيما يبدو - من رؤى السرياليين في ملاحقة الباطن الموّار بصنوف التجارب والمسترشد بالغيري من العلاقات.

مصادر الدراسة:
1 - صباح نوري المرزوك: معجم المؤلفين والكتاب العراقيين - بيت الحكمة - بغداد 2002.
2 - لقاء أجراه الباحث صباح نوري المرزوك مع عبدالرزاق محمد (صَدِيق المترجم له) - كركوك 2007.

ألم الدخول إلى خوذةِ القصيدة

حين اشتعلتْ بغدادُ بنرجسِ دمعتِها
وانشغلتْ بنسج الحبر تحت الحريقْ
مؤطّرةً بالخُوذِ الـ تعبّد الطريقْ
حينها تعثّرنا بنا
فانهمرتْ جنائزُ الطّغاة تحت ظلِّنا
هكذا؛
تسلّلنا من الطائرات خلف جُثّتنا
وصرخْنا
تمزّقَ قميصُ البلاد، بواسقُ العبادِ
ورفرفتْ تحت جنحِ الصّواريخ رؤانا
دخلت أسرابُهم إذًا
وسقطتِ الذبائحُ في سجلاّت الحدودِ
تناثرت المدنُ كحمامٍ باغته قطافُ
نوحٍ يزدهر غريمًا في الهديل
توقّفوا
يا أبناءَ النّخل الذي في خدّه خالُ العقوق
تلك مدائنكم، تستيقظ من أجراس سوادِها
في آخر العشب توقدُ شحوبَ الثريّا بزهرةٍ
وتلمُّ انقراض التربّص في كآبة تأريخِها،
بملثّمينَ بمنائرَ شتَّى،
براكبي دبّاباتٍ ترتدي الأديرة؛
ترسمُ شوارعَها طوفانًا للأسلاكِ،
وبُرعمًا للعوارض الشّائكة
تستعرضُ مفاتنَ الغزاة في المقصلةِ،
مقصلةٍ ترتطمُ بصوتها
يا زهرةَ الرُّمان والأمكنة
حنّي على بغدادَ الـمُحزنة،
بيقظةِ نسيانِ الأزمنة،
يا حسرةَ عاشوراءِ الغيمةِ والمنائر
مُنّي على القطعانِ
بسكيّن تذكارٍ لنسيانٍ أخير

لقطة

يا زهرةَ القفصِ المفصولِ الرأس،
يا تعاويذ النّسيان في نسيان تاسوعها،
غرباءَ كنّا تحت شمع سرّها،
وحشتُنا وشيكةٌ في وَجْنة المقبرةِ؛
عُزَّلٌ - كنّا - كحيرةِ آسٍ وأسًى مقيمٍ نرتديه؛
أجسادُنا، سجّادةٌ لأقدامِ الثغور نخلعُها
ونشعلُ في نحلها عسلاً حرَّقته إبرُ العابرين،
نشتعلُ
يا أنيسَ وحدتِنا،
أزلْ وحشتَنا،
إنا مريدوكَ
أوصالُنا مخطوطاتٌ تنطفئُ
وثاقُنا رمادٌ يستنجدُ بك، بنا
انفتحي يا مرايا الخوفِ
وانكسري يامظلاّتٍ في الوجوه،
حياتُنا مواجهاتٌ بين ربيعٍ قانٍ وخريفٍ لقيط،
قيامتنا انبطاح لحروب تُندّي الفراتَ بطوفان النياشين
انفتحي يا شظايا حفلتنا
ويا متاحفَ النخْلِ احتفلي بحريقنا
وغنّي يا خرائب بأصابعِ نعيبنا
لما ازْرَورقتْ بمثلثاتٍ ومربعاتٍ
ودوائر تدور بالمنتخبين!!
وانتشي يا غيبوبةَ أقفاصنا
ببرُهة السُلطةِ في اختطافِنا
وبحفر الحفاةِ في طغاتِنا
آهٍ
لقد تسلّلت ثعالبُ الغزاة إلى البلاد
وعادت بناتُ آوى من تخثّرها
تخطّ خطوط موائدها
آهٍ
فالوليمةُ الآن جاهزةٌ للاحتلال

سأُريك كيف تتحسر النافذة

سأُريك كيف كثر البنّاؤون فوق زجاج القلبِ،
فاشتبكتْ أنصالُ الليل بخرائبي الهائلة،
هذا ما لم يحدث بعدَ بعدِك عادةً،
عندما أجفِّف دمعي على حبل الرحيل وأبكي،
مصطحبًا عودة تأسّيك أو نأي رفيفك
رائيًا كيف كانتْ الحدائقُ تنبحُ على النّعاس السومري،
وكيف كانت الوردةُ تبحث عن أقبية القتلى في نصفِ قمقمٍ
وعن القنوط في سوق الشيوخ،
وعن كيف بعت العصفورَ والقفص
طائرًا بالزقزقة بعيدًا عن ثكنات متقّدةٍ بالعراق
وعن شوارعَ تزعجها نبوءات الجدران،
فكلّفتَ حياتك المشقّة في قلقٍ أشعثِ السطوح،
ها أنت وصلتَ إلى نهاية الحواشي في البناء
فرأيتَ
أنّ طفلَ المتاهة صارَ ملاكًا
وأنّ امرأةَ البرق صارتْ هلاكًا وملاذًا للعاصفة،
تركتَ سريرًا للنجمة من أجل ألاّ يتّسخ المطر
بأوهام الراحلين، وأوهام السؤال
مَن
قارعتَ من الوحوش حتى ألفتَ هذه الغابة؟
وتريك كيف تقارعت الوحوشُ فوق زجاجي
واضطربت داخل حَنجرةِ الرّمل حشرجاتُ دماي،
تريكَ بأن من حطّمته المعارك لم يلعب بين الوديان صباه،
وأريك حتمًا
كيف تنزَّه الموتُ بين بتر أصابعي التي صقلت عراء العصافير
كيف طويتُ المدنَ في حقيبةٍ، فيها امرأةٌ، في هنائها الهلاك،
امرأةٌ ما سألتك يومًا إلا كي يعتدلَ الحائط بوقفته
وكي تبكي وحيدًا بين جدران العدمْ
ولأصمت أنا ثم
أحزم ذعري كلَّه، حبّي كلَّه، وطيشي كلَّه
وأصيح بالراحل
كفى كفى كفى
لقد مللتُ هذا الرحيل
هكذا كانت الجولةُ أيُّها الصديق