من قصيدة: اللــــهـــــب المـقـــــفّـى |
(1) |
لا شيء يُرجى من زمانك يا فتى!.. |
خدر يدبّ بقاع روحك.. |
لا تعي من أمره شيئاً.. |
ولكن الجليد يضجُّ في الأعماق, |
ينهدُّ انتفاضاً, |
يغتلي فوار بركانٍ من الفرح المباغت |
يا فتى!.. |
(2) |
صاغ العذاب المزدهي في قاع روحك |
موقداً لتصدع الغيم المعشش في سراديب الكآبة.. |
أين أنت من الكآبة والسقام? |
ذاك الجمالُ الشاهق المنصوب فوق الوحي والإلهام |
مرِّغ جبينك بالألق |
وترسّم الأشواق تجري فوق مخضوب الأفق! |
من وشيها خفق الحنين بأنملات العازفين.. |
وَشَدَتْ بنفسجة الحقول.. |
على شفاه العائدين!.. |
(3) |
جنّ الظلام.., |
اختلَّ في البعد المدار.. |
الصوت يزحف في شرايين الجدار!.. |
لا ترحلي يا أيكة العشايا!. |
جلبابها يطوي دجى الأغوار, |
قد شارفت غسق المرايا |
واجتلت عنقاً رخامياً |
ووجهاً قرمزيا.. |
بُحَّتِ الأوتار |
هامت عند مسراها الوصيفات العرايا.. |
من وجْدهنَّ.. |
ارتاعت الأبصار في وجه المليكة, |
وشَّحَتْها قبة القلق الهيوليِّ المصفَّى.. |
أشرقي في مقلتيها! |
جرِّحي آذانها وصلاً هديرياً |
يقضقض خافقيها!.. |
لا تبرحي الأعماق,, |
جرّيني إليها, كيفما كان, |
انزعيني, من جذوري المعتمات.. |
ظَلِّي هناك. |
وهاجري في كل ناحٍ من تضاريسي... |
لا تبرحيني, |
قيد حلم الهدب في عين السجين! |
(4) |
لا شيء يُرجى من وصالٍ أو حنين,, |
بعد انطوائك يا فتى خلف السرادق, |
لا تعي الخدَر الذي يسري بروْعك |
عندما يحتل برجك فاتح من ألف ألفٍ, |
لا ترى في الأفق إلا البرق والأنهار... |
لن تدرك الوقع الدفين |
فأنت أنت, الآن في الإعصار!.. |
أوثِقْ ركابك, إن نوحا |
جمَّع المرساة, |
أَوْشَكَ أن يشق ثرى البحار.. |
(5) |
يأيها المدفون في زمن التقدم والتغير, |
لوحة مربدّة الألوان والأضواء!. |
يأيها المأفونُ |
لملم ما لديك, |
فقد تفوز بمقعد وسط السفينه!.. |
اختطف قبساً من الأصداء |
إن فاتتك قافلة الطيوب |
وموكب الإسراء.. |
يأيها الملك البليد |
توارت الدنيا.. |
أفقْ .. كي لا تظل تقيؤاً للذكريات, |
يَسقُطن عندك, زفرة في زفرة |
تلْظى بوهم الحلم والأشلاء!! |
(6) |
يا يوسف الصديق, ما لك لا تسافر |
وحدك الآنا?.. |
هي ذي رواحلك الخفيفة, |
بانتظار... |
ودّع أباك, |
فلن يشقّ عليه بعدك.. |
إنه ربَّان سَفْر, |
دائم التطواف, في صمت المحار.. |
هيّئ لنفسك كل أسباب التجلَّة والوقار.. |
واجلس على عرش الجمال!!.. |
ذات الجلالة, مهرجان يخلب الأوصال!.. |
لا يستوي الصمت الرتيب, |
وجوقة جاءت من الفردوس: |
إيقاع وترتيل .. وأنهار ابتهال |
يا مجد معشوقَين هاما |
في البراري والقفار!! |
ملكين من نور ونار! |
(7) |
يأيها المنسي في غسق من التذكار: |
هلاّ شدتْ في بوحها الأسرار?.. |
حتَّامَ يغشاك الوجوم?.. |
لا شيء يُرجى من صلاة أظلمت فيها النجوم!.. |
وتسربلت أنفاسك الحرّى |
بأطياف الشحوب |
وأنت في ظمأ, وفي صمم مريب!.. |
يا لابتعاثك من ركود شارفَ الأعماق! |
يا لاهتدائك للبريق |
يشعّ في وجه الأديم, يهدهد الآفاق!! |
(8) |
لا شيء يبريء سقم روحك |
في سحيق الإغتراب |
مالم تَشُـدَّ وثاقك الأزلي |
بالصَّخب المدوِّي بين أدغال الغياب |
تسمو على الآصال, |
يصدح ضوؤها أرَجا يمانياً |
يذرّ الحب في الأرجاء |
ينبهر اللباب |
سافرتَ , أم واكبتَ ظلك |
في رقاد أزرق |