محمد الماغوط

1427-1353هـ 2006-1934م

سيرة الشاعر:

محمد الماغوط بن أحمد.
ولد في بلدة سلمية (شرقي مدينة حماة - وسط سورية)، وتوفي في دمشق.
عاش في سورية ولبنان ودولة الإمارات العربية المتحدة.
تلقى تعليمه في سلمية وحماة حتى التحق بالمدرسة الثانوية الزراعية بسلمية وحصل على الإعدادية الزراعية قبل أن يتوقف عن التعليم.
عمل محررًا بمجلة الشرطة الصادرة عن وزارة الداخلية السورية، كما عمل بالصحافة في عدد من المؤسسات الصحفية في لبنان والإمارات العربية المتحدة.

الإنتاج الشعري:
- له من الدواوين: «حزن في ضوء القمر» - دار مجلة شعر - بيروت 1959، و«غرفة بملايين الجدران» - دار مجلة شعر - بيروت 1960، و«الفرح ليس مهنتي» - منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1970، و«سياف الزهور» - نصوص - دار المدى بدمشق 2001.

الأعمال الأخرى:
- له عدد من المسرحيات، منها: «المهرج» - (مُثلت على المسرح 1960، طبعت عام 1998 من قبل دار المدى - دمشق)، و«العصفور الأحدب» - مسرحية 1960 (لم تمثل على المسرح)، و«ضيعة تشرين» - (لم تطبع - مثلت على المسرح 1973 - 1974)، و«شقائق النعمان»، و«غربة» - (لم تطبع - مثلت على المسرح 1976)، و«كاسك يا وطن» - (لم تطبع - مثلت على المسرح 1979)، و«خارج السرب» - (دار المدى - دمشق 1999، مثلت على المسرح بإخراج جهاد سعد)، وله عدد من الروايات، منها: «الأرجوحة» - رواية 1974 (نشرت عام 1974 - 1991 عن دار رياض الريس للنشر)، وله عدد من الأعمال السينمائية، منها: «الحدود» - فيلم سينمائي (1984 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)، و«التقرير» - فيلم سينمائي (1987 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)، وله عدد من الأعمال الدرامية التلفزيونية، منها: «حكايا الليل» - مسلسل تلفزيوني (من إنتاج التلفزيون السوري)، و«وين الغلط» - مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيوني السوري)، و«وادي المسك» - مسلسل تلفزيوني، و«حكايا الليل» - مسلسل تلفزيوني، و«سأخون وطني» - مجموعة مقالات (1987 - أعادت طباعتها دار المدى بدمشق 2001)، و«شرق عدن غرب الله» (دار المدى بدمشق 2005)، و«البدوي الأحمر» (دار المدى بدمشق 2006)، وأعماله الكاملة طبعتها دار العودة في لبنان، وأعادت طباعة أعماله دار المدى في دمشق عام 1998 في كتاب واحد بعنوان (أعمال محمد الماغوط) تضمن: (المجموعات الشعرية: «حزن في ضوء القمر»، «غرفة بملايين الجدران»، «الفرح ليس مهنتي» مسرحيتيّ و«العصفور الأحدب»، «المهرج»، ورواية: «الأرجوحة»)، وترجمت دواوينه ومختارات له ونشرت في عواصم عالمية عديدة إضافة إلى دراسات نقدية وأطروحات جامعية حول شعره ومسرحه.
شاعر مجدد، نجحت قصائده في تحريك مياه الشعر الراكدة، أحد رواد القصيدة الحديثة في الشعر العربي، اعتمد الشعر صيغة للتغيير، قالت عنه الشاعرة سنية
صالح (زوجته): «مأساة الماغوط أنه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط.. وذروة هذه المأساة هي في إصراره على تغيير هذا الواقع وحيدًا لا يملك من أسلحة التغيير إلا الشعر»، انشغل الكثير من النقاد بدراسته شاعرًا وكاتبًا مسرحيًا ودراميًا، وانحازت قصائده لعروبته وللمهمشين من بني الإنسان.

مصادر الدراسة:
1 - روبرت ب. كامبل اليسوعي: أعلام الأدب العربي المعاصر، سير وسير ذاتية - المعهد الألماني للأبحاث الشرقية - بيروت 1996.
2 - سليمان سليم البواب: موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين - دار المنارة - دمشق 2000.
3 - أديب عزة وآخرون: تراجم أعضاء اتحاد الكتاب العرب في سورية والوطن العربي - منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق 2000.
4 - عباس بيضون: محمد الماغوط مجنون المدن والعصفور الأحدب.
5 - عبدالقادر عياش: معجم المؤلفين السوريين في القرن العشرين - دار الفكر - دمشق 1985.
6 - قاسم حداد، وعمر شبانة: ملف عن المترجم على موقع جهة الشعر شارك فيه عشرات من الكتاب والنقاد والشعراء العرب من مختلف الأجيال. ://..
7 - الدوريات:
- جمال عبود: رحيل محمد الماغوط المشاكس الذي لم يتعب من التعب - البعث - ع12847 - 4 من أبريل 2006.
- حسن جمعة: ينتمي إلى الثقافة العربية نسبا وانتماء - البعث - ع12847 - 4 من أبريل 2006.
- خيري الذهبي: الشعراء لهم الحياة في الذاكرة والصدور - البعث - ع12847 - 4 من أبريل 2006.

في رثاء السياب

يا زميل الحرمان والتسكع
حزني طويلٌ كشجر الحور
لأنني لست ممدَّداً إلى جوارك
ولكنني قد أحلُّ ضيفًا عليك
في أية لحظة
موشحًا بكفني الأبيضِ كالنساءِ المغربيات
لا تضعْ سراجًا على قبرك
سأهتدي إليه
كما يهتدي السكير إلى زجاجته
والرضيع إلى ثديه
فعندما ترفعُ قبضتَكَ في الليل
وتقرع هذا الباب أو ذاك
وأنت تحمل دفترًا عتيقًا
نُزع غلافه كجناح الطائر
وأنت تسترجع في ذاكرتك المتعبه
هذه الجملة أو تلك
لتقصها على أحبابك حول المصطلى
ثم يسمع صوتًا يصرخ من أعماق الليل
لا أحدَ في البيت
لا أحدَ في الطريق
لا أحدَ في العالم
ثم تلوي عنقك وتمضي
بين وُحولٍ آسنةٍ
وأبواب أغلقت بقوةٍ
حتى تساقط الكلس عن جدرانها
وأنت واثقٌ أن المستقبل
يغصُّ بآلاف الليالي الموحشةِ
والأصوات التي تصرخ
لا أحدَ في البيت
لا أحد في الطريق
لا أحد في العالم
هل تضع ملاءةً سوداء
على شارات المرور وتناديها يا أمي
هل ترسم على علب التبغ الفارغه
أشجارًا وأنهارًا وأطفالاً سعداء
وتناديها يا وطني
ولكن أي وطنٍ هذا الذي
يجرفه الكناسون مع القماماتِ في
آخر الليل؟
تشبَّثْ بموتِكَ أيها المغفَّل
دافعْ عنه بالحجارة والأسنان والمخالب
فما الذي تريد أن تراه؟
كتبكَ تباع على الأرصفةِ
وعكازك أصبح بيد الوطن
أيها التعس في حياته وفي موته
قبرك البطيءُ كالسلحفاة
لن يبلغ الجنةَ أبدًا

كرسي الاعتراف

كُلُّ قطعاني وُسمت في مراعيها
وكل كلابي عُقرت في مرابضها
وكل مياهي سُممت في آبارها
وكل طيوري رُقمت في أعشاشها
وكل ثيابي فُتشت في حقائبي
وكل أعراضي انتهكت في أسرتها
وكل سفني لُغمت في بحارها
وكل وثائقي صُوِّرت في أدراجها
وكل قصائدي نُسخت من دفاترها
ليعرفوا السر في كراهيتي للدفء
وهيامي باصطكاك الركب والأسنان
أيها البرد الوقور يا جدي
لن أشعل حطبًا أو نارًا
ولن أستعمل غطاءً أو فراشًا
حتى لا يدب الخلاف بيننا
وتشمت بنا شركات النفط ومشتقاته ومعلقاتها الاقتصادية
والثقافية والدينية والفنية والرياضية والعاطفية والجنسية

حزن في ضوء القمر

أيها الربيع المقبل من عينيها
أيها الكناري المسافر في ضوء القمر
خذني إليها
قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجرٍ
فأنا متشردٌ وجريحٌ
أحب المطرَ وأنينَ الأمواج البعيدة
من أعماق النوم أستيقظ
لأفكر بركبة امرأةٍ شهيةٍ رأيتها ذات يوم
لأعاقر الخمرة واقرض الشعر
قل لحبيبتي ليلى
ذات الفم السكران والقدمين الحريريتين
إنني مريضٌ ومشتاق إليها
إنني ألمح آثارَ أقدامٍ على قلبي
دمشق يا عربةَ السبايا الورديه
وأنا راقدٌ في غرفتي
أكتب وأحلم وأرنو إلى المارةِ
من قلب السماء العاليه
أسمع وجيبَ لحمك العاري
عشرون عامًا ونحن ندق أبوابك الصلدةَ
والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا
ووجوهنا المختنقة بالسعال الجارح
تبدو حزينةً كالوداع صفراء كالسل
ورياحُ البراري الموحشه
تنقل نواحنا
إلى الأزقةِ وباعة الخبزِ والجواسيس
ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ
نبكي ونرتجف
وخلف أقدامِنا المعقوفه
تمضي الرياح والسنابل البرتقاليه
وافترقنا
وفي عينيك الباردتين
تنوح عاصفةٌ من النجومِ المهروله
أيتها العشيقةُ المتغضنة
ذات الجسدِ المغطّى بالسعال والجواهر
أنت لي
هذا الحنين لك يا حقوده!
قبل الرحيلِ بلحظات
وتحت شمس الظهيرة الصفراء
كنت أسند رأسي على ضلْفات النوافذ
وأترك الدمعة
تبرق كالصباح كامرأة عارية
فأنا على علاقةٍ قديمةٍ بالحزن والعبودية
وقرب الغيوم الصامتة البعيدة
كانت تلوح لي مئاتُ الصدورِ العارية القذره
تندفع في نهرٍ من الشوك
وسحابةٍ من العيون الزرق الحزينة
تحدِّق بي
بالتاريخ الرابض على شفتي
يا نظراتِ الحزنِ الطويلة
يا بقعَ الدم الصغيرة أفيقي
إنني أراك هنا
على البيارق المنكسه
وفي ثنيات الثياب الحريريه
وأنا أسيرُ كالرعدِ الأشقر في الزحام
تحت سمائك الصافيه
أمضي باكيًا يا وطني
أين السفن المعبأة بالتبغ والسيوف
والجارية التي فتحت مملكة بعينيها النجلاوين
كامرأتين دافئتين
كليلةٍ طويلةٍ على صدر أنثى أنت ياوطني
إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهولٌ
تحت أظافري العطرية
يقبع مجدُكَ الطاعن في السن
في عيون الأطفال
تسري دقات قلبك الخائر
لن تلتقي عيوننا بعد الآن
لقد أنشدتكَ ما فيه الكفايه
سأطلُّ عليك كالقرنفلة الحمراءِ البعيدة
كالسحابة التي لا وطنَ لها
وداعًا أيتها الصفحاتُ أيها الليل
أيتها الشبابيك الأرجوانية
انصبوا مشنقتي عالية عند الغروب
عندما يكون قلبي هادئًا كالحمامه
جميلاً كوردة زرقاء على رابيةٍ،
أودُّ أن أموت ملطخًا
وعيناي مليئتان بالدموع
لترتفع إلى الأعناق ولو مرةً في العمر
فإنني مليءٌ بالحروف، والعناوين الدامية
في طفولتي،
كنت أحلم بجلبابٍ مخطَّطٍ بالذهب
وجوادٍ ينهب في الكروم والتلال الحجريه
أما الآن
وأنا أتسكع تحت نور المصابيح
أنتقل كالعواهر من شارعٍ إلى شارعٍ
أشتهي جريمةً واسعةً
وسفينة بيضاء، تقلني بين نهديها المالحين،
إلى بلادٍ بعيده،
حيث في كل خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء
وفتاةٌ خُلاسيه،
تسهر وحيدةً مع نهدها العطشان

أوراق الخريف

طالما عشرون ألف ميلٍ بين الرأس والوسادة
بين الحلمة والحلمة
لن أعود إلى المسرح بأصابع محطمه
والحبر ينزف من غرّتي على الجدران والقاعات
سأعيش هكذا
زهرةً يرويها الدمُ وتقصفها الريح
لأروي ظمئي العميق
إلى الرمل والجنون
للتشفي من بلاد حزينةٍ
تتأرجح أسنانُها كالحبال على مدخل التاريخ
طالما عشرون ألف ميلٍ بين الغصن والطائر
بين السنبلة والسنبله
سأجعل كلماتي مزدحمة كأسنان مصابة بالكزاز
وعناويني طويلةً ومتشابكةً كقرون الوعل
ولكن كما هو الثدي الفوار
بحاجة إلى الأصابع الوثنية
والزنود المشمّرة مع جلدها حتى الإبط
كذلك أنا
بحاجةٍ إلى شيءٍ مجهول
له نعومة النهد وشراسة الصقر
يقبض عليّ من معصمي كالسارق
يلتف حول طاولتي كلجامٍ من الصمغ
ولكن
تنقصني العيونُ الصافيه
والشعرُ المسترسل إلى الوراء
القدرةُ على سبك الكلمات
وتشذيبُها كأذرعٍ خارجةٍ من القبر
ينقصني العمر والإيمان
الكوخُ الأزرق الذي أحلم به
والطاولةُ المحدبة التي أشتهيها
حيث لا وطنَ للمرافق
ولا مقرَّ للدموع
ولكن
بعضُ الكلمات زرقاءُ أكثر مما يجب
صعبةٌ وجامحةٌ
وترويضها كترويض الوحش
ولكنني سأكافح بلا رحمة
بلا أزهارٍ أو طبول
متكئًا على طاولتي كالحداد
مستلقيًا على قفاي كالشريد
حتى أحسَّ الحياة كلَّها
الحياة والحب والدمار
العسل والريح والسياط