عرفة الكيلاني

1427-1369هـ 2006-1949م

سيرة الشاعر:

عرفة محمد كيلاني.
ولد في القاهرة، وفيها توفي.
تلقى مراحله التعليمية على تنوعها حتى حصل على درجة البكالوريوس من المعهد العالي للدراسات التعاونية والإدارية بالقاهرة.
عمل محاسبًا في وزارة التربية والتعليم، وظل يترقى في وظيفته حتى وصل إلى درجة مدير عام في إدارة مصر القديمة التعليمية، وهي الدرجة التي توفي عليها.
كان عضوًا في جمعية الأدباء، كما كان عضوًا في الرابطة الإسلامية بالقاهرة.

الإنتاج الشعري:
- له قصائد متفرقة مثل: «برقية» - مجلة الأيام - يوليو 1977، و«محاكمة خونانوب الجديدة» - جريدة الوقائع المصرية - يوليو 2005، وله ديوان عنوانه: «العصافير لن تتخلى» - مخطوط.
يجيء ما أتيح من شعره انعكاسًا لدعاوى التجديد في الشعر والتي تمثلت في شكل الكتابة التي التزم فيها بشعر التفعيلة، وفي استخدامه لتقنيتي الرمز والأسطورة اللتين بدا من خلالهما تأثره بتاريخ مصر الفرعوني في محاولة منه لإسقاط الماضي على الحاضر. يعالج ملالاً وعذابات يمتزج فيها الذاتي الوجودي بهموم الوطن، وله شعر وجداني ينتصر فيه للحب باعتباره سفينة النجاة في هذه الحياة. اتسمت لغته بالتدفق والعمق والميل إلى الترميز، وخياله جديد.

مصادر الدراسة:
- لقاء أجراه الباحث محمد عبدالعال مع أسرة المترجم له - القاهرة 2006.

برقية

وأتيتُ إليكْ
طفلاً يحبو بين يديكْ
لا يعرف كيف الكلْمةُ تمضي
أو كيف الحرفُ يجيءْ
طفلاً لا يدري كيف يفيءْ
وعلى كفيك أكون الجذرَ النّامي
وعلى شفتي كنت الألف الياءْ
كنتِ حروفَ هجاءْ
في عينيكِ تعلمتْ
معنى أَنْ أَعشقْ
معنى أن ترويني قطرةُ ماءْ
أو كيف أميّز يا أملي بين الأشياءْ
فعشقتُ الميمَ الصادَ الرّاءْ
وعرفتُ بلادي كيفْ
أتهجّى ألفًا باءْ

من قصيدة: محاكمة خونانوب الجديدة

نزع الفرعونُ رداءه وتعرّى
ضاجعه الليل
فصارا إلفين
وانتشرا
التقما كلّ ترانيم الكهّان تعاويذَ الكلماتْ
ولما رأيا خيطَ الدمّ يلوحْ
ويصفّق بين نتوءاتِ الفجرْ
أيقنَ أنّ الشمسَ سوف تغنيّ لرياحِ العندِ
وتنساه
تهوى الغوغاء
وتأساه
تدخل تحت جلود العشّاق وتدفئهمْ
وتزيّن للشعراءِ الشّعرَ وتسكن أحلام الدّهماءْ
وتمدُّ موائدَ عشقِ للأطفالْ
تقرأُ في عين الصبيةِ كلّ حكاياتِ الضفّة للأنهارْ
والوردة للسّمارْ
وتُحيك القلب شرايينًا للرفض وللإصرارْ
ولما ارتفعتْ كفّاه تغازل وجهَ الشمسْ
احترقتْ كفّاه
أضمر شيئًا في الصدرْ
ولما حطّ الفجر على الأشجارْ
سرقا ثوبَ الشمس
واختبآ كلٌّ في الآخرْ
وافترشت «نينسي» ثوبًا للقحط زمانًا
راحت تتلوّى تحت سياطِ القهرْ
وذاتَ مساءْ
غافلتِ الريحُ الفرعونْ
فصحا «خونا نوبْ»
دقّ الأرض بقدميه فاشتعل الجرحْ
خرجتْ من قدميه الأشجارُ قانيةَ اللونْ
وتجمّع في كفّيه الفقراء
فمضى يقطفُ وردَ الحلمْ
ينسجه ثوبًا آخر للشمسْ
يضمّخهُ بالجرح وقمعِ الوعدْ
وحين اكتمل الثّوب، اجتمع العشاق مساءً
داهمه العَسسُ الليليْ
واحتكموا للفرعونْ
وجثا «خونا نوبْ»
ملتحفًا بالغضب المتدلّي عنقودًا من نزّ الجرحْ
ينسج جدرانَ الجبّ قصائد عشقٍ للرّيحْ
وخلفَ البابْ
كان الفرعونُ يختلسُ السّمعْ
ربّ الأربابْ
يا من ضاجعك الليلْ
يا هذا القاطنُ في أبراج الوهم السّاديْ
ذا السّوط الخارج من كفيك لظهري
ذا التاج الغربيْ الجاثم فوق صدور الجَوْعى
هأنتَ تعود إلى وكرِكْ
وملذّاتكْ
لتواقع كلّ الحيّات
وتسقط بين تعاويذ الكهنة والسّحر
نحن رعاياكَ
نحن الغرقى في بحر هوانِك
نحن الخيلُ الباقي
حين تمرّ خيولُ الهكسوسْ
وتمرحُ عبر سجودِك واستسلامِكْ
استمعِ الآن
يا من بعتَ الخبزَ بعيدًا عن أفواهِ الأطفالْ
وبقرتَ بطونَ النّسوةِ في القَيظْ
وجعلتَ النّيل يشدّ التّرحال ويخلع ثوبَ الطميْ
إنّي مبعوث الرّيح إليكْ
ألبسُ ثوبَ الشّعرْ
لا رمحٌ في الكفّ
ولا خبزٌ مخبوءٌ في شفتي
ولا صوتٌ للفرح القادم يلتفّ بجلدي
أعبر نهرَ الحاجة معصوبَ العينينْ
يباغتني وجعُ اللونْ
وينمو في أحشائي شجر الجدبْ
أتعب صوتي البوحْ
فصار سحابات الغيم القابع في الطرقاتْ
لا ثوبٌ لي
أنت سرقت الثوبْ
ولا ظلٌّ للشمس ولا لونْ
لكنّي مثل الفأسْ
لو خرجتْ كلمة من فميَ الجائع، فتحَتْ في قلبك
بئرًا ينزلُه الدّهماءْ
وليقتصّوا منكْ

من قصيدة: دقات الحروف

كانت حروفُ الآلة الكاتبه
تدقُّ تدقّ
تستبيح الحوارْ
وتدخلُ رأسي
تستطلعُ السرَّ في مصحف الذاكره
ثمّ تمضي!!
وها هو الخيطُ، يدخل غرفةَ القلب ويلهو قليلاً
ها هو الخيطُ يُقعي
ضارباتُ الحروف اللعينة يسترنَ صمتي
ولكنّني أستردّ الثواني
أسمّي الجنون جنونًا
هل تتخلّى العصافير عن عادة الزقزقهْ؟!
عندما كان يصدمُ سوط القرار البدايه
كنت أسحبُ خيطَ الكلامِ
رويدًا
رويدًا
كان نهرُ الحروف النبيلة ينساب ما بيننا
ثم يقذفُنا فوق جسر الحقيقهْ