أحمد الجوماري

1416-1358هـ 1995-1939م

سيرة الشاعر:

أحمد الجوماري.
ولد في مدينة الدار البيضاء، وفيها كان مثواه. وعاش فيها وفي مدينة مراكش.
التحق بكلية ابن يوسف بمراكش، غير أنه لم يكمل دراسته، فانقطع عن الدراسة عام 1956، ثم التحق بالتعليم الإعدادي، وتابع تكوينه الثقافي بجهده الذاتي، وقراءاته، وكان لمجلة «الآداب» البيروتية دور في هذا.
كان ذا ميول يسارية، وقد ظهرت عنايته بالمضمون السياسي في شعره.
توازى اهتمامه بالمضمون السياسي مع اتجاهه إلى قصيدة التفعيلة بعد 1960، ويذكر أن صلاح عبدالصبور وخليل حاوي كانا الشاعرين الأقوى تأثيراً في توجيهه وتكوينه.

الإنتاج الشعري:
- صدر له ديوانان: «أشعار في الحب والموت» - دار النشر المغربية - الدار البيضاء 1979 - (105 صفحات)، و«أوراق الليل» - دار النشر المغربية - الدار البيضاء 1989 - (60 صفحة)، ونشرت قصائد الديوانين في صحف عصره، ومنها «دعوة إلى الرقص مع الذئاب» التي نشرتها مجلة: آفاق - اتحاد كتاب المغرب - العدد 57 - سنة 1995.
يتجلى طابع البنية السردية وتصدّر الراوي، كما يأخذ الوصف موقع البرهان في جلاء الموضوع. في القصائد طابع شعر الستينيات من حيث الانطلاق من قضية وموقف وإبلاغ رسالة، ومن حيث تفضيل الوضوح في مجال العناية بالمضمون الاجتماعي والسياسي، على أن «التاريخ» يظل ظهيراً حاضراً في هذا المحور الأساسي من شعره.

مصادر الدراسة:
1- حسن الوزاني: دليل الكتاب المغاربة - اتحاد كتاب المغرب - مطبعة المعارف الجديدة - الرباط 1993.
2 - عباس الجراري: تطور الشعر العربي الحديث والمعاصر في المغرب - مطبعة الأمنية - الرباط 1997.
3 - محمد بنيس: ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب (مقاربة بنيوية تكوينية) - دار العودة - بيروت 1979.
4 - الدوريات: أحمد المديني: تجربة الشعر في المغرب العربي - مجلة الآداب البيروتية - مارس 1978.

حكاية صديق قديم

أذكره من ندبةٍ سوداء،َ كانت كالوسامْ
على جبينه تُضيءْ!
تذهلني رؤيتُها، كانت تهزّ خافقي
فيولد الربيعُ في عينيَّ، يُومض البريقْ،
وفي دمي يعربد الحريقْ،
وفي حقول روحي كانت تنضج
عناقيدُ الغضب!
كان الجبينُ ما أزال أذكرُ
يطاول السحابَ، يرنو للنجوم، كانت فيه كبرياءْ،
حدّثني يوماً وكان دائماً حديثُه حزينا
عن الأشراف حين يُقتلون غيلةً!
في ظلمة الدروبْ
عن الأنذال حين يخطفون كسرةَ الرغيفِ
من أفواه الصغار المعدمينْ،
حدّثني بحرقةٍ عن المدينة التي تعجّ باللصوصِ
والسكارى، والنساء المومساتْ
حدّثني وكان يُحسن الحديثَ عن نقاوة الضميرِ، والشرفْ
عن الأبطال حين يشربون كأسَ الموت في شموخْ
ويبصقون في احتقارٍ، لعنةَ الخضوعِ، والهزيمه،
وكان قد أسمعني أشعارا
كتبها بدم حبّه للشعبْ
كتبها من ذوب ما يقول القلبْ
حروفٌ كالربيع، كالرصاص، كانت كالشجاعه!
تمجّد الأطفالَ، والحمامَ، والنضالْ
والحبَّ والحياةَ للجميع والغِنا في كلّ فمْ
وكنتُ عندما أصغي وأرشف الحروفْ
يخضلّ في قلبي بكاءٌ كالمطرْ
لأن تلك الأحرفَ البسيطه
وميضٌ من دمي،، لأنها ككلّ ما أحبْ
من عالمي لأنها سلاحيَ الوحيدْ
كنت أسير طائعاً، وكانت أحرفُهْ
هديةَ الحياةِ لي أنا الغريبُ
ابنُ طريقِ الحقّ والضياءْ
وغاب عني صاحبي وضاع في مدينه
أُخبرت أنها تمصّ من دم الرجال فجرَها
وأنها تمدّ للمراوغ الجبان صدرَها
وأنها تطعن قلبَ الطيبين الوادعينْ
بخنجرٍ ملوّثٍ بلعنة السقوطْ،
وغاب عني صاحبي وضاع في تلك المدينه
ظننتُ أنه سيفضح اللصوصَ، والكلاب
في أوكار الخداعِ، والجرائم المروّعه
ظننتُ أنه يتابع المسيرَ،،،
ريثما تدقّ ساعةُ الزحفِ الأكيدْ
وغاب عني،، ضاع في الزحامْ،،
في مدينةٍ تلوّث الرجالْ!
يا عارَنا الكبير،،
يا يا صديقَنا القديمْ
حرامٌ أن تخونَ الشعرَ، والرفاقَ، والصغارْ
طعنتَهم بخنجرٍ أمدّكَ اللصوصُ به
ألقفتَهم كلماتٍ تُخجل الرجالْ
أكلتَ خبزَهم، شربتَ شايَهم
أحبّكَ الصغارُ، والكبارْ
أهكذا أهكذا خدعتَنا
يا يا صديقَنا المزيّفَ القديمْ!؟
تُرى أما يزال الجرحُ يبدو كالوسام في الجبينْ؟
ترى أما تزال الكبرياءُ تشرب النجومْ؟
ترى أما يزال النذلُ يخطف الرغيفَ من أنامل الصغارْ؟
ترى ترى أما تزال تُحسن الحديثَ في نقاوة الضميرْ؟
يا عارَنا خسئتَ! يا صديقَنا المزيفَ القديمْ!

دعوة إلى الاحتراق!

لمن تزغرد الحياةُ يا رفاقْ
لمن تزفّ أغنياتِها،، قُبلاتِها،، لمنْ،،
ونحن نزرع الدموعَ في دروب عمرنا
ونحصد الأحزانَ، والسأمْ
ونلعق الهزائمَ المريره
لنا،، لنا،، فلنوقدِ الشموعَ في كهوف ليلنا
ولنطوِ أمسَنا المجرّحَ اللهاثْ
أمسَ التشرّدِ الطويلِ، في دروبٍ لا تُحدْ
أمسَ الكآبةِ، الجنونِ، والليالْ
أفعى مسلولة تقتات من ربيع عمرنا القصيرْ!
كدنا نشيخ في كهوف أمسنا، كدنا نشيخْ
ونحن بعثٌ، فجرٌ هادرٌ، أمواجٌ من عطاءْ
كنا نقولْ
اللهُ ما أقسى صحراءنا البوارْ
صحراءَ الملحِ، والفراغ، والجنونْ
كنا نعيد غنوةً محروقةَ الصدى تقولْ
إننا نصارع التيّارْ
بدون غايةٍ نحسّها في جدب يأسنا المريرْ
نصارع الأمواجَ، والأنواء، والإعصار
شراعُنا الصغيرْ
بالأمس شقَّ ثورةَ الرياحْ
ونحن فيه لهفةٌ مجنونةٌ إلى شواطئ الأمانْ
كنّا نسير في ظلام وحشيٍّ، أعمى غريبْ
عسى يلوح فجرُنا من أفقِ شاطئِ الأمانْ
عسى تشعّ في شراعنا أفراحُ عيدْ
عسى، عسى، ويشهق السؤالُ من عيوننا
لأين يا شراعَنا الكئيبْ؟
طريقنا بعيدةٌ، بعيدةٌ، فارجعْ بنا
فالرحلةُ المجنونة الرعناء أتعبتكْ
وكشّرتْ أضلاعُكَ المخنوقة الأنينْ!
ونحن فيكَ يا شراعَنا الحبيبْ
صرنا بقايا من رمادٍ، من عقولْ
تَحجّرتْ أوّاه لم تعد لنا عقولْ!
نحن الذين مات، انهدّ في عروقنا تَرقُّبُ الصباحْ
بالأمس صارعنا التيارَ في جنونْ
من أجل بعثٍ، فجرٍ غامضٍ يزعزع الظلامْ
لكننا كنا نسير في صحراءَ دون ظلْ
صحراؤنا ملحٌ، بوارْ
جرداءُ يبعث السرابَ في هجيرها
ونحن في أتّونها فراغٌ أجوف
أشياءُ دون معنىً، دون لونْ
كنا نقول يا صحابْ
كنا نعيدْ،،،
ونحن نزرع الدمارَ في الدروبْ
وننشر الأحزانَ في الطريقْ
ونقرع الكؤوسَ بالكؤوسْ
على نخب المأساةِ والندمْ،
كفى! لنلتفتْ! فدفقةُ العطاءْ
في عيوننا وفي قلوبنا ستغمر الجموعَ بالضياءْ
الله ما أحلى تعطّشَ النفوسِ للضياءْ
مرحى! فلنحرقْ عمرَنا للتائهين الجائعينْ
لهم لنشعلَ الشموعْ
فهم نجومُنا، وجودنا، وفجرُنا الأكيدْ
لنطوِ أمسَنا المجرّحَ اللهاثِ يا رفاقْ
ولتنبعْ من نفوسنا أمواجُ الخصبِ والعطاءْ