صدرالدين الماغوط

1427-1359هـ 2006-1940م

سيرة الشاعر:

صدرالدين بن إسماعيل الماغوط.
ولد في بلدة سلمية (محافظة حماة - سورية)، وفيها توفي.
عاش في سورية ولبنان.
حصل على الشهادة الإعدادية في بلدته، ثم توقفت رحلته النظامية في طلب العلم لتبدأ رحلة جديدة يعتمد فيها على نفسه عن طريق المطالعة والتثقيف الذاتي.
عمل في مجال الصحافة ممّا أهلّه لأن يتولى رئاسة تحرير مجلة «السؤال» التي كانت تصدر في أثينا باليونان.

الإنتاج الشعري:
- له ديوانان: «سقوط كومونة العصافير» - دمشق 1996، و«أسميك زمن الخوارج وأنتمي» - دار ابن هانئ - دمشق (د. ت).

الأعمال الأخرى:
- له: «أقبية الدم» - خواطر - دار الأجيال - دمشق 1969، إضافة إلى عدد من المقالات نشرتها له صحف عصره.
يشغله همّه الذاتي باعتباره كائنًا يسعى لخلاصه، كما تشغله هموم وطنه. يعاني تأزمًا وجوديًا، فالكون لديه مفارقات وأضداد تفضي إلى جملة من التساؤلات المرة فيما يتعلق بالمصير الإنساني في هذا العالم الذي تصبح فيه الطفولة عضوًا زائدًا في جسد الإنسانية، والعالم - حسبما يرى أيضا - وحش مفترس، الخوف فيه جزء أصيل من شخصية الإنسان فيما ينذر بنزعة جبرية يفقد الإنسان - على أثرها - قدرته على التعبير في حرية عما يطمح ويريد.

مصادر الدراسة:
1 - أديب عزة: معجم كتاب سورية - دار الوثبة - دمشق 1968.
2 - عبدالقادر عياش: معجم المؤلفين السوريين في القرن العشرين - دار الفكر - دمشق 1985.
3 - فهارس مكتبة الأسد الوطنية - دمشق.
4 - الدوريات: خضر عكاري: صحيفة البعث - العدد (9528) - أبريل 2006.
5 - لقاء أجراه الباحث أحمد هواش مع الشاعر خضر الحمصي - سلمية 2006.

هذا الذي يسمّونه.. أنا؟

أنا البدويُّ الآتي من عُبِّ الصحراء كفرخ القطا
لي رائحةُ النّخيلِ وتناغمُ الأجراس
أقسمتُ أن أبتاعَ مقلاعًا من الصوف
وأحملُ في جيبي حجارَ البراري
أقف في مفترق الزّمن الملعون
أشجّ رأسَ كلّ عاشق
وأُجهض بطنَ كلِّ امرأةٍ منتفخ
لأنّ الانتفاخَ يعني ليَ التخمة
وأنا الجائعُ الوحيدُ في العالم!!
في إسبانيا ولعٌ بالموت
في وطني ولعٌ بالأحلام
في إسبانيا يتقاتل الثورُ والمصارع
حبّا في البقاء
هناك يعرف الثورُ كيف يموت
وهنا لا نعرف نحن كيف نعيش
واحسرتاه ما أقسى نهاية المصير!!

أسمّيك زمن الخوارج وأنتمي

أعلمُ في لحظات الاستغراق الصوفي
أنّه ما زال لدي متسعٌ من الوقت لأتساءل
لمن صنع هذا العالم؟
ولأي نوعٍ من الأيدي يصنعون القيود
وطلاءَ الأظافر؟
ولأي عصفورٍ يتفنّنُ السجّان برسم شكل القفص
وتشابك القضبان؟
مرة وأنا ساهمٌ ومستغرقٌ بحبّ الوطن
حلمتُ أنّ زمنَ الخوف انتهى
وأنّ الحبّ أُطلق سراحُه من معتقلهِ الأخير
والزنازين فتحتْ أبوابَها
ومشى المحبون في ضوء القمر
ولغير ما سبب سقط القمرُ مضرّجًا بدمه
واكتستِ المعاصمُ بالقيود
وسكن طلاءُ الأظافر أصابعَ النسوة المشتهاة!
وكأيّ مواطنٍ في العالم الثالث
أمشي ورأسي للخلف
أصافحُ أجدادي وأحفادي
وأشكو لهم ظلمَ الحضارة
في غفلة منّي تُداهمني الذّاكرة
وعلى مرِّ الفصول
أحمل جُمجمتي وأحاولُ رسم خارطةٍ لوطنٍ ما
فأقتل عبر الحدود وعبر التخوم
أنتم يا من تحلمون بتغيير منافذ الأرحام
والولادات السهلة
أحمِّلكم بقايا دمي
أناقشكم وضمن مؤتمراتكم
بأنّي لست مسؤولاً عن ضياعِ قطعةٍ من محيط
أو واحةٍ من صحراء
مرةً والبحرُ يداهمُ الشواطئ
والشرطةُ تداهمُ بيوتَ الفقراء وعمال المناجم
أرسلت مذاكراتي عبرَ المحيطات
وفي أوّل مظاهرةٍ لإعلان مراسيمِ الحبّ والثورة
صرختُ
اخرجوا من بين أصابعنا
اتركوا أحداقَ أطفالنا
رافقوا «تشيلي» في لحظة وداعها «لبابلو نيرودا»
ودعوا حلمَه بالجزيرةِ السوداء يرافقه حتى مثواه
وردّدوا معه نشيدَه الخاص
نشيدَ منزل الأزهار
لأنّ قاتلَه ما زال يضعُ يده على مسدسِه
كلّما سمع بكلمة ثقافة!!
لغير ما سبب أيديولوجي
استأصلوا منّي الطفولة
وتركوني هائمًا في الزواريب الوطنية
أتساءل
هل الطفولة عضوُ زائدٌ في جسد الإنسانية
يمكن استئصاله؟
وهل في وجوده ضررٌ قومي
ولغير ما سبب أُجبرتُ على التلصص
من ثقب بوّابة الوطن
لأرى الحياةَ من الداخل
يومها كنت منفيًا عمّا بداخلي
ولغير ما سبب أدركتُ أنّي أعيش خارجَ هذا الزمن
لكنّهم أدخلوني دوّامة اللعبة
بعد دفعي الرسومَ وإلصاق طابع البريد
عشتُ زماني بحقدِه وخوفِه ومجاعاتِه
وحين سمحوا لي بالخروجِ من زمني
كنتُ قد هَرمتُ حزنًا
ولم أعدْ أطيقُ الفِراق
فالخوفُ أضحى جزءًا من شخصيتي
وحين داهمني الفرحُ اعتباطًا وامتلكتني الطفولة
خارجَ هذا الزّمان
عدتُ متلبسًا بالرعشة
مطالبًا بإعادة انتسابي لهذا الزمان
الذي لا يستحي!!

من قصيدة: كانوا أصدقاء الشمس

لملموا الراياتِ والاستغاثاتِ ورسائلَ البريد
يوم كانت القبّرات الزّرقاء تلاعبُ أفراخَها الثلجية
دون أن تلتفتَ خلفها بفزعٍ فطري
والجرذانُ تحفر أخاديدَها في أكوامِ الثلج
بحثًا عن وكرٍ ترابيّ
في هذا الزمن كلٌ يعيش فرحَه وحزنه حسب حالةِ الطقس
فجأة بكتِ الغابةُ سترها المفضوح
واختفت أصوات النواقيس المذعورة
في ساحة القرية تجمع الأولاد
قيل لهم إن شيطانًا يسكنُ أرواحَهم وموتاهم
وأنّ القبور رفعتْ شواهدَها احتجاجًا على فصل الشتاء