إبراهيم شكر الله

1416-1340هـ 1995-1921م

سيرة الشاعر:

إبراهيم نصر الله شكر الله.
ولد في مدينة بالإسكندرية، وتوفي بالقاهرة.
قضى حياته متنقلاً حسب مقتضيات عمله الدبلوماسي بين القاهرة ونيودلهي، ولندن، ومدريد، وبون.
تخرج في قسم اللغة الإنجليزية (جامعة القاهرة) ثم درس الأدب واللغة الألمانية في جامعة بون بألمانيا، ثم التحق عام 1945 بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وشغل منصب السفير لها في عدة عواصم.
كان يراسل مجلة «شعر» اللبنانية، يمدها بكتاباته حول الحركة الأدبية والثقافية في مصر.

الإنتاج الشعري:
- له ديوان: «مواقف العشق والهوان - وطيور البحر» القاهرة 1982، ونشرت له قصائد مفردة بمجلة «شعر» اللبنانية - العدد 3 - 1957م، ونشرت له مجلة «أدب ونقد» مختارات تحت عنوان: «الديوان الصغير» - العدد 11 - القاهرة - يوليو 1996.

الأعمال الأخرى:
- كتب مقالات في النقد بمجلة «شعر»، منذ مطلع الستينيات وحتى توقفها.
يمثل شعره اتجاهاً في موجات تحديث بنية الشعر العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث كثافة الصور، وتداخل الإيحاءات، والإشارات، والحرص على التناص الأسطوري والرمزي، ثم الديني والتاريخي، لم يحرص على البحر أو التفعيلة،
مكتفياً بإيقاع استجدت تقنياته مع حركة الحداثة، حيث ظواهر التكرار والجناس أقوى حضوراً.

مصادر الدراسة:
1 - حمزة عبود: مختارات من شعر إبراهيم شكر الله - (ملفّ) مجلة أدب ونقد - العدد 11 - يوليو 1996.
2 - الدوريات:
- أعداد من مجلة «شعر» اللبنانية.
- مجلة «إضاءة» 77 - العدد 9.

عناوين القصائد:

موقف العشق

إذ اصطفقتْ ضحكاتُ الفتيات
عند منحنى الطريق
مثل طائرٍ ضرب الماءَ بجناحه ثم صعد محلقاً
في عمود الشمس
عند المنحنى، عند تداخل الظلمة في النهار
واختلاط النور بالظلال الراقصة،
على العتبات، بين السجف الملونة - مثل قطع الفضة،
مثل البلّور النضيد، مثل تخت سليمان
من هول الليل
رقرقات جدولٍ نضير
تنهدل بين أيدي جبلِ الشيخ
المكلّل الهام
غفوتُ من الغفوة استيقظتُ من الصحوة
صعدتُ بين الناس ورددتُ الخمار عن
العين الغافية، ومددتُ بصري وسمعي
وراء الوراء خلف الخلف إلى أفق الأفق
حيث انتشرتْ أوراقُ اللوتس
ونشر الألبازوس جناحيه الكليلين
فوق الصاريةِ الكسيرة،
عندما صُلبِ النهار
فلمحتُ الأعينَ البارقة من خلال
الشجر
وسمعتُ وقعَ الأقدام الصغيرة على الحصى
وهمس متكسر بأسرار
وعبيق عطرات من بعيد
فما أن اندفعتُ أستجيب النداء
آخذ أختي العروس في جوانحي
حتي أحاطت بي تهاويل اللبلاب
وتعثّرتْ رجلايَ بالحصى وأدمى الحسكُ يدي
ووجهها الباكي يختفي عند المنحنى
يختفي بين أمواج البحر
في دروب الظلام
أفكلّما سقط شعاعٌ من السماء سنيّ
أو تَفتّحَ في الندى وجهُكِ الفضّيّ
مسّني الضرُّ وأصابني - ربي - البلاء

الشاعر والمدينة

أعمدةقديمة لمساجدَ جديدة
حطبٌ جديد لنيرانٍ قديمة
بيوت تنهار لتُبنى فوقها بيوت
والبيوتُ تمتد وترتفع وتتناكب
تنفثُ أنفاسَ الثوم في أفواهِ بعضها
تستند على أكتاف بعضها
تحت قاهرة المعز
مائة مدينةٍ منذ منف
هذه مدينة عنيدةٌ صابرة
من جراح بيوتها الفاغرة
تفوح رائحةُ الخبز وتخثُّر البول
يتدلى الندم من السقوف
مثل عناقيد العنب السوداءْ
العذاب يتسلق الجدران
ينسلُّ بين الشقوق
يتحرك في الضحكاتِ الخابية
وهنهناتِ الصمت
أجسادٌ مسجاة على مائدة التخدير
حيث يعي العقلُ أنه لا يعي شيئاً
أردتُ أن أشدَّ المدينةَ حولي
أتمنطق بجراحها أتسربلُ بعذاباتِها
ألتف على صدرها مثل الغدير على الحصباء
مخترقاً قلاع الشجر
متجاوزاً الأسوارَ العشرْ
لنزقِ الحكام ونَزواتِهم
لقصورهم المطلّة على السهوب النفساءْ
الحجارةِ وألواحِ الصلب الملساءْ
والزجاجِ المصقول
فرأيتُ سكانها كناقِهين
جالسين على حافة الأسرَّة
متكومينَ في الردهات
يتأملون من بلادةِ السأم
انبهارَ النهار
البغاثُ يرفُّ على سطحِ
البركةِ الآسنةْ
يشرئبونَ في متاهات أحلامهم
لميتةٍ عنيفة
تصطكُ لها دروبُ المدينة
توقظ السماءَ من هَجْعتها
مثل كلب هرمٍ ينهض للقاء سيده
ثم يرقد هازّاً ذيله
نابحاً في استخذاء
أطبقَ سكانُ المدينة جفونَهم
على عيونهم المغتلمه
لحمٌ يَنغلُ فيه الدود
وأنا نازلُ المنحدرْ
أعالج اللفَظ الصدئ من جديد
كلُّ معالجة بدءٌ جديد
وفشلٌ جديد
غزو لعُجمة الروح بأسلحة مفلولة
خائضاً لُـجاجَ المشاعرِ المتناقضة
جحافلَ العواطف التي اضطربت صفوفُها
نتنَ اللغة ولغوها
تحولتُ إلى الدروب المهجورة
الهاربةِ من تحت قدمي
أطرق أبواباً موصَدةً لم تُولجْ بعد،
متعثراً في الخرائب مثلما
تتعثرُ أقدامُ الخيل المبقورةِ بأحشائها،
أسعى لانتشال ما ضاع في العرصات
أنتشل ثم ضاع المرةَ بعد المرة
أحاول ضمَّ الأجزاء المحطمةِ لبعضها
ألمُ أطرافَ المدينة وربوعِها
أرصُّ شذراتِ الماضي إلى أكوام الحاضر
لأجدَ الماضي خِداعًا
والمستقبلَ بلا مستقبلْ
والحاضرَ صكّ المذلة
لا تأمنُ فيه القدمُ الانزلاقْ
يتردد في مفازاتِه عواء الذئابْ
وينتشرُ العوسجُ على منافذِ البيوتْ
وفي ردهات الأذهانْ
أين وجهُكَ؟
نبعُ المرحْ
لقعةُ الجلالْ
الخيلُ الصاهلة
والنافورات
الشوارعُ المرشوشةْ
عند انحدارِ الشمسْ
والرقصُ الرقص
دغدغةُ الموج وغدره
حين قالت الحَجَل
تَواروْا، تواروْا
فأغصانُ الشجر
حافلة بأطفالٍ عابثة
يغصُّون بضحكاتٍ مكتومة
تواروْا، تواروْا
فحولَ النار المزدهية
تجمعتِ الصبايا
للسمر والرقص
ودقِ الدفوف
البيوتُ جميعها جرفَها السيلُ
الراقصاتُ نزلنَ وراء الكثبان