الطيب الشريف

1386-1354هـ 1966-1935م

سيرة الشاعر:

الطيب الشريف.
ولد في مدينة القيروان (تونس)، ومضت حياته كالومض تجتاز في ثلاثين عاماً القيروان وتونس، والقاهرة، والسعودية، ليستقر في مثواه بالجزائر.
تلقى تعليمه قبل الجامعي في تونس، ثم انتسب إلى كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، فتخرج فيها بدرجة الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية والتربية.
اشتغل مدرساً في المملكة العربية السعودية، ثم في مسقط رأسه، ثم في الجزائر.
نشر قصائده ومقالاته في صحف الأقطار التي عمل بها، وفي مقدمتها «الآداب» البيروتية.
ارتبط جانب من شهرته بترجماته المتميزة لكتابات المفكر الجزائري مالك بن نبي.

الإنتاج الشعري:
- له ديوان بعنوان: «انعتاق» - الدار التونسية للنشر - تونس 1978.

الأعمال الأخرى:
- ترجم عن الفرنسية خمسة من الكتب التي تتناول موضوعات مهمة في عصرها:«فكرة كومونولث إسلامي»: مالك بن نبي - القاهرة 1966، و« آفاق جزائرية» (للحضارة، للثقافة، للمفهومية) مالك بن نبي - لبنان، و«النزعة الآفرو آسيوية»: مالك بن نبي (مخطوط)، و«عيار الإنسان»: للكاتب السويسري شارل فرديناند (مخطوط)، و«ضروب الإخفاق المدرسي»: للمربي الفرنسي آندري لوغان - الدار التونسية للنشر - تونس 1978.
شعره مفعم بالحياة والقلق والتطلع ورغبة تجديد الحياة، يتوازن فيه عنصر السرد مع عنصر التأمل فيقيم بناء إيقاعيًا خاصًا قادرًا على اجتذاب القارئ بدءاً من عناوينه المثيرة، وحتى يتوقف السرد عند خاتمة ربما لم تكن متوقعة. تصبّ في قصائده أهم روافد التجديد في الشكل حيث بناء الموسيقا على التفعيلة، والمضمون: حيث الحلم بالعدل والسلام لكل البشر، والأسلوب: حيث قوة التأمل واستبطان الانفعالات.

مصادر الدراسة:
1 - مقدمة ديوانه التي كتبها بنفسه.
2 - كلمة الناشر في الديوان.

سهاد

اسفَحي الليل على وجدي المضاءِ
وشموعٍ من عنائي!
وتملَّيْ كلَّ أطيافي
فقد أودعتِها الحرمانَ شُحّاً بالعطاءِ
أرِّقيها!
فهي شعري وشقائي
طالما أرسلتُها طيَّ الهوى
عبرَ الهواءِ!
ولكمْ روَّيْتُ أطيافي بدمعي
في ابتهالي وبكائي
سهِّديها
فهْي من حبٍّ نما بين العراءِ
لم يدثَّر بوصالٍ
لم يُساعف بلقاءِ
أرسليها ما لها مسلوبةُ الروح
كمَوتَى طيَّ أكفانِ العفاءِ؟!
ناغمي أنشودتي الضائعةَ الصوتْ
كأحلامي الهباءِ
وابعثي نجْواك من ذاك الخِباءِ
خاطريني من بعيدٍ
واحفظي عني ذَمائي!
علِّلي الوامقَ بالنجوى
لا تضِنِّي - من بعيدٍ - بالنّجاءِ
نادميني السهد
من كأس الدجى بعد ظماء
أنا كم شتَّتَ ذهني
أنا كم أبلى هنائي!
ذكرياتي كُلُّها، يحشدها فوق فضائي
مَرْقدي الجمر
تقلبت عليه في التياعي
في نحيبي وارتمائي
بين أشواك غطائي!

رمـــــــاد

فعلاً لقد أحرقتُهُ
ديوانُ حبكِ لم يَعُدْ
إلا هباءاتٍ تقضَّتْ في أتُونْ!
أحرقته ورأيتُ في أحشائه ناراً تمورْ
ولها لسانٌ أزرقٌ يربدُّ كالرقطاءِ
مِن سُخطي ويدعو بالثُّبورْ!
ولعنتُ حظِّي والهيامْ
ونشِقتُ إثمَ دخانِهِ
بفلولِهِ المتراقصاتْ
في أفْقِ غرفتيَ المشوَّهة المعالم والشِّياتْ
وعكفتُ تجمعُ قبضتايَ رمادَهُ
تعويذةً تعويذةَ السلوى
ورمزاً للمآبْ
مِنْ حُمْقيَ المعْمِيِّ
مِنْ حُبي الضياعْ
أقسمتُ أني لن أعود لما مضى مِن لَهْفتي
وتعطُّفي لِـخؤونةٍ أنثى
تسومُ تحرُّقي سوءَ العذابْ
- حُبِّي أنا؟!
- لا ليس حبي بل ضلالي
أو شُرودي في مَتاهٍ مُتْلفٍ
سمَّيته «دنيا غرام»!
لا لن ألين لِـخفقِهِ
هذا المضلَّلُ بين جنبيَّ، الكَنودْ
قلبي أنا!
أنا لم أعدْ طوعاً له
أنا لم أعدْ تبعاً لماضيكِ العقيمْ
يا هذه! أحرقتُه يا هذه!
ماضيكِ ماضٍ أسحَمٌ
ماضٍ غُرابْ
كم بات ينعَقُ في يَبابِ خواطري
هو لوثةٌ في خاطري
كانت تُمزِّعُ مهجتي ما بين أشداقِ العذابْ
أشعلتُه! ونظرتُ فيه قصائدي
تاريخُها عبثٌ، تسمَّمَ منه كوبي
وغُثاؤُها يطفو على روحي كغمّات الذنوبِ!
يا هذه! حلقي استحال إلى تراب!
حلقي ترابٌ ماحلٌ
أنبَتِّ فيه عواسجَ التعذيبِ
ثم سقيتِها مُهْلاً وَصابْ!
لكنني أقسمتُ أني لن أعودَ لما مضى
من عمريَ الضحلِ الـمَشيدِ على خرابْ!
يا هذه! أنا مارقٌ
ألحدْتُ بالحبِّ المنكِّسِ للرقابْ!
ومُفارقٌ لا يُرتجى عَودٌ له من لا مَآبْ!

من قصيدة: ضياع

لا تجهَشي! حان الوداعْ
لا تجهشي، في وجهيَ المفزوع من روْعِ الفراقْ
وترفَّقي! فبمُهجتي يذكو الأَجيجْ
وضَنَى الوداعْ
فلقد عزمتُ على الرحيل بلا رفاقْ
وبغيرِ زادْ
كُفِّي العناقْ!
أنا من دموعك في ارتياعْ
فترفَّقي! أنا يا «رشيدةُ» في صِراعْ
بِلا انقطاعْ
سيلفُّني ثوبُ القتادْ
بِلا سلاحْ
وبغير زادْ
ومصيرَي المجهولُ في دربٍ مشاعْْ
دربِ الضياع